ادعاء حق التشريع والتحليل والتحريم
تشريع الأحكام التي يسير عليها العباد في عباداتهم ومعاملاتهم وسائر شؤونهم التي تفصل النزاع بينهم وتنهي الخصومات حق لله تعالى خالق الناس ورب الخلق قال تعالي ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) وهو الذي يعلم ما يصلح عباده فيشرعه لهم وقال تعالي ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلي الله ذلكم الله ربي) وكذلك التحليل والتحريم حق لله تعالي لا يجوز لأحد أن يشاركه فيه قال تعالي ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
فجعل سبحانه وتعالي طاعة الشياطين وأوليائهم في تحليل ما حرم الله شركا ,فيجب علي المسلم أن يحذر من التساهل في إطلاق التحليل والتحريم بغير علم ودليل قال تعالي ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب ) . وقال تعالي في التحذير من القول بلا علم في دين الله ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا علي الله ما لا تعلمون )
حكم قبول تشريع غير الله : فمن قبل تشريعا غير تشريع الله عالما بذلك مختارا له غير مكره أو مضطر إليه فقد أشرك بالله تعالي . ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ولا يجوز لمسلم أن يطيع أحدا في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله لقوله تعالي ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) . ولما سمع عدي بن حاتم رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية قال عدي : إنهم لم يعبدوهم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بلي إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عباداتهم إياهم )
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في الأمر وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا – حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون علي وجهين : أحدهما : أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم علي التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله إتباعا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركا وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم .
والثاني أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتا , لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ( إنما الطاعة في المعروف ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( علي المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ) .
وأما الأنظمة التي يسنها ولاة الأمر وليس فيها مخالفة لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بما يقصد بها تنظيم أمور الرعية بما يجلب لهم المصالح أو يدفع عنهم المفاسد ويحفظ حقوقهم فليس هذا من المنهي عنه شرعا ولا تدخل في تشريع ما لم يأذن به الله بل هي من واجبات ولي الأمر في رعاية مصالح الرعية ويلزم الرعية السمع والطاعة في ذلك وتعد مخالفته معصية