أساليب صناعة الفخار النبطي الملون
ان صناعة الفخار كانت موضع اهتمام الشعوب كلها طوال حقب التاريخ التي عاشتها البشرية. وهذا ما نجده في الإنتاج الفخاري النبطي الملون الذي أطلق عليه تسمية الفخار النبطي الرقيق ”فخار قشرة البيض الملون“ Egg-Shell Painted Ware حيث يبلغ سمكه سمك قشرة البيض، ويرجع الى فترة أوج مملكة الأنباط، وتم تعريفه من قبل الباحث البريطاني جورج هورسفيلد وزوجته آجنس عام 1929م.
ان هذا الانتاج الفخاري المميز بجودته، ورقته، كان بمثابة الهوية الشخصية الاثباتية لهؤلاء الانباط الذين برعوا في اتقان تصنيعه حتى وصل في سماكته حوالي 1ملم في فترة ازدهار المملكة النبطية، ويمتاز هذا الفخار باللون الأحمر الوردي، وذو زخارف متعددة، جعلته محط اعجاب الدارسين.
خضع الفخار النبطي الملون الى عمليات عديدة في تحضيره حتى يصل الى أيدي المستهلكين. لذا لا بد من الوقوف عند هذه الأساليب لالقاء الضوء على هذا الانتاج الفخاري النبطي.
أولا: تحضير العجينة الفخارية أولا: تحضير العجينة الفخارية
يعد اختيار الصلصال الفخاري، وتحضيره المرحلة الأولى في صناعة الأواني الفخارية قبل تشكيلها، ولا تصلح جميع انواع التربة لتصنيع الأواني الفخارية المختلفة. ويوجد نوعان من الصلصال الفخاري المستخدم في صناعة الأواني الفخارية: النوع الأول البدائي أو الطبيعي: Primary Clays الذي تكون عبر ملايين السنين حينما تكدس نتيجة لعوامل جوية عديدة. أما النوع الآخر فهو الصلصال الثاني: Secondary Clays الذي يوجد على ضفاف الأنهار والأودية حيث تحرك نتيجة جريان الماء، وعوامل التعرية الأخرى.
كلا النوعين من الصلصال يتم أخذهما وتعريضهما لأشعة الشمس والهواء، من أجل التحلل الى حبيبات أصغر. يتم بعد ذلك مزجهما معا بعد أن تتم تنقيتهما من الشوائب. أما بالنسبة للحبيبات الكبيرة الحجم فتسحق بواسطة أداة ثقيلة لتصبح مادة ناعمة الملمس. توضع المادة الناعمة في ”مصول“ وهو حوض صغير يتصل بقناة بها منخل ثم قناة تقود إلى مصول آخر كبير يشبه البئر.
تحضير الطينة: يتم تحضير الطينة بخلط المادة الناعمة في المصول الصغير بالماء، ثم يتم تحريكه باليدين أو الرجلين، وبعد ذلك يسيل الماء الطيني في القناة اتجاه المنخل الذي لا يسمح بمرور أية حصوات، أو ذرات صلبة، بل يسمح فقط بمرور الماء الطيني، الى المصول الكبير.
وتستمر عملية التصويل هذه حتى يمتلئ المصول الكبير من السائل الطيني ويترسب ويجف قليلا. قد تطول او تقصر هذه العملية وفقا للفصل والاقليم الذي تصنع في هذه الطينة.
ويمكن أن تستخدم طريقة اخرى حيث تنقى المواد بعد ان تسحق وتصبح ناعمة جيدا وتخلط مع طينات عديدة، وتنخل داخل وعاء كبير بداخله ماء، وتحرك بعصا كبيرة حيث يصبح السائل معلقا. ويصفى مرة ثانية في وعاء آخر حتى يتم التأكد من خلوه من الشوائب، وينشر على الأرض تحت أشعة الشمس. والغرض من ذلك أن تتماسك الطينة، وتصبح لدنة.
تخزن هذه الطينة في مكان رطب بعد أن تضاف اليها مواد غير لزجة أثناء عملية العجن، حيث تستخدم فيها الايدي والأرجل. والغرض من وراء ذلك حماية الآنية من التشقق والتقلص أثناء عملية التجفيف والحرق، كما تساعد على تماسك العجينة. أما عملية العجن فترمي الى التخلص من الجيوب الهوائية الموجودة بين المسامات الطينية، وخلط المواد المضافة غير اللدنة.
وبعد ان تصبح العجينة جاهزة تقطع الى شرائح، أو تبقى مكدسة فوق بعضها بعضا في داخل غرفة رطبة، لتحافظ على مرونتها، وتصبح قابلة وجاهزة لوقت طويل.
ثانيا: تشكيل الأواني
اتبع الأنباط اكثر من طريقة في تصنيع الأواني الفخارية، فيمكن القول أن شكل بعض الآنية واستخدامها تفرض على الصانع اتباع طريقة معينة في عملها. وخير مثال على ذلك الأسرجة النبطية التي صنعت بواسطة قالبين منفصلين، أحدهما يمثل الجزء العلوي، والآخر يمثل الجزء السفلي، وقد تم لحم الجزأين معا بمادة طينية، وبعد ذلك تجرى عملية تشذيب للنتوءات والمواد الزائدة. والغرض من ذلك اعطاء السراج مظهرا أنيقا، وملمسا ناعما. ثم يحرق، ويضاف اليه بطانة، وتجرى له عملية حرق ثانية.
لقد كانت الاواني الفخارية النبطية تصنع بواسطة عجلة دولاب الخزاف لقد كانت الاواني الفخارية النبطية تصنع بواسطة عجلة دولاب الخزاف. ومما يدعم هذه القول، ما تم العثور عليه في احدى الغرف في ورشة عمل الفخار في موقع الزرابة على حجر دائري الشكل يعتقد انه قاعدة لمثل هذا الدولاب. وعلى أي حال، فان كتلة الطين تؤخذ بعد عملية العجن، وتوضع على الدولاب الفخاري وهو عبارة عن قائم عمودي مثبت في رأسه قرص، ويتصل من الأسفل بقرص كبير الحجم يحرك بواسطة القدم.
عملية التصنيع
أولا ويراعى في عملية التصنيع وجود محلول طيني بجوار الصانع، وأمامه طاولة يضع عليها الكتل المراد تشكيلها، أما ثانيا فيتمثل في وضع كتلة من الطين المراد عمل مثلا زبدية منها في وسط الدولاب، ويدار بالقدم، وتبلل القطعة أثناء عملية الدوران، وتبدأ عملية التشكيل بضبط بواسطة الابهام الى أسفل في وسط القطعة، حيث يتم فتحها، وعمل القاعدة مع بقاء الاصابع حولها من الخارج، حيث ترتفع الطينة الى أعلى للوصول الى المستوى المطلوب في الارتفاع، وفي أثناء ذلك يكون الدولاب سريعا جدا.
ويتم عمل جدران رقيقة وذلك بواسطة ضغط اليدين، واستخدام أداة صغيرة الغرض منها تنعيم السطح من الخارج، ويتم فصل الزبدية عن قرص الدولاب بواسطة خيط رفيع يمرر ما بين القاعدة والقرص، بعد ذلك تعرض الاواني الفخارية في الشمس برهة من الوقت لتجف قليلاً ومن ثم تعاد على قرص الدولاب وتقلب الى أسفل بحيث تصبح القاعدة للاعلى، مما يسهل عملية التشذيب، وفي هذه الاثناء، يجب أن يبذل جهد مضاعف خوفا من حدوث أي تشقق، أو انبعاج .
وقد استخدمت أداة حادة في ازالة هذه الزوائد، خصوصا على القاعدة، ويعتقد أن القضيب الذي عثر عليه في ورشة عمل الفخار في موقع الزرابة –وهو مصنوع من البرونز– ربما تم استخدامه في هذا الاتجاه وعلاوة على ذلك فقد، تم العثور على سكينة حديدية مزركشة ومعلقة برونزية في موقع "أذرح" حيث استخدم مكاناً لتصنيع، وحرق الاواني الفخارية النبطية، واستخدمت هذه الأدوات في زخرفة القطع الفخارية.
ويتضح لنا مما سبق أن عاملي الفخار من الانباط تبنوا القاعدة المستديرة للاطباق النبطية الملونة، وربما يعزى ذلك: لتفادي التشقق في القواعد. ولكونها أسهل في مجال التصنيع بسبب رقة جدران الانية. وبعد هذه العملية تضاف الى الزبدية البطانة وذلك بعد عملية حرق القطعة الفخارية .
والهدف من وراء البطانة: ذلك أغلاق المسامات. وتقوية بدن القطعة. واعطائها منظرا جميلا وأملسا. وغالبا ما تكون هذه البطانة من نفس لون العجينة مضافة اليها، أو أنها تفرز من العجينة نفسها على بدن القطعة الفخارية أثناء عملية الحرق، ويسمى هذه بالبطانة الذاتية self –slip، وخاصة عندما تصل حرارة الفرن أكثر من 600 مئوية، وتكون هذه البطانة ذات لمعان جيد.
وللحصول على البطانة المضافة نتبع نفس طريقة تحضير العجينة السالفة الذكر في تشكيل الاواني، الا أن هناك فارقاً بسيطاً فبعد أن يصبح السائل الطيني معلقا وخاليا من الشوائب يضاف الى الانية المشكلة بعدة طرق منها: 1- استخدام فرشاة في طلاء القطعة بهذا السائل. 2- أو أن تسكب عليها البطانة. 3- وربما تغمس داخل السائل الطيني. وتضاف البطانة الى القطعة بعد أن يتم حرقه .
لقد أجمع الباحثون على أن الطلاء الذي استخدام في زخرفة الفخار النبطي الملون، كان يتألف من اكسيد بودري الشكل حيث يمكن الحصول عليه من خلال سحق بعض الصخور التي تحتوي على بعض المعادن مثل: أكاسيد الحديد، وأكسيد المنغنيز وتخلط مع الماء وهذه الخامات متوفرة في منطقة البتراء .
وتعد الزخرفة بالطلاء صعبة للغاية، حيث ينبغي على الفنان أن يستخدم الفرشاة التي يحتمل أن تكون قد صنعت من شعر الغنم، أو الخيل بدقة وسرعة فائقة، لان عملية امتصاص الانية للماء تترك طبقة سمكية من الطلاء على بدن الانية، ومن المحتمل أن الفنان لم يستخدم الماء، وأنما استخدام سائلا خاصا صعب امتصاصه بسرعة مثل: الزيوت أو بعض الافرازات النباتية.
أما عن شكل الفرشاة وكيف كانت تعمل الاشكال فسوف نتحدث عنه تحت الزخارف لاحقا. وتجدر الاشارة الى أن الطلاء لم يكن من المواد العضوية، ومما يؤكد هذا القول العديد من التجارب على اختبار هذه الالوان من قبل فيليب هاموند وهذا الوصف ينطبق على الزبادي التي تشكل في الغالب من قطعة واحدة.
أما فيما يتعلق بالأواني المغلقة مثل: الأباريق أو الجرار النبطية الرقيقة، فقد تم العثور على كمية قليلة منها زخرفت من الخارج بطلاء، بالإضافة إلى وجود زخارف أخرى مع هذا الطلاء مثل: التحريز أسفل العنق، أو وجود أخدود على بعض المقابض ولهذه الأسباب كلها لا بد من عرض الطريقة التي استخدمها العامل الفخاري النبطي في تصنيع مثل هذه الآنية.
ومهما يكن من أمر، فنجد أن الخطوات السابقة في طريقة إعداد الطينة تنطبق على مثل هذه الاواني ولكن الاختلاف يمكن في عملية التصنيع. فبعد أن توضع القطعة التي أجريت لها عملية العجن على قرص الدولاب، تبدأ عملية الضغط على الكتلة الطينية من الجوانب ومن أسفل ترتفع الى أعلى بعد ان تم عمل ثقب في الوسط حيث تبنى الجدران بواسطة الايدي من الداخل والخارج حتى منطقة الاكتاف، بعد ذلك تنقل الانية وتوضع تحت أشعة الشمس.
فترة من الوقت ليست طويلة حتى تجف قليلا، ثم تعاد الى قرص الدولاب مرة أخرى، وفي أثناء وضعها تحت أشعة الشمس يكون الخراف قد أتم عمل الرقبة التي يتم عملها على الدولاب كذلك أما فيما يتعلق بالمقابض أو الصنابير فانها تعمل من لفائف من الطينية المحضرة وتكون المقابض على شكل علامة الاستفهام هو ذلك الجزء من الوعاء الذي يرفع باليد ودائما تكون صناعته يدوية وقد يكون وجوده على بدن الإناء وظيفيا أو زخرفيا.
ومعظم المقابض التي تضمنتها دراستنا لها نقطتا التحام فهي تلتحم بالرقبة وتمتد إلى الجزء العلوي لجسم الآنية وربما تمتد من الحافة إلى حتى منتصف الجسم أما الطرق التي تلحم بها هذه المقابض مع الجسم الانية فهي: عن طريق البطانة التي تساعد في التصاق هذا الجزء بالجسم. أو عن طريق ثقب مع بطانة، فيكون بدن الانية شبه جاف فقد كانت جدران الاواني تثقب، ويدخل المقبض في ذلك الثقب، حيث يتم التحامه بالجسم، وتضاف اليه البطانة من أجل أخفاء العيوب في ذلك المكان.
أما العنق فقد كان إلصاقه مع البدن يتم أن توضع الآنية على قرص الدولاب، وتستخدم البطانة في تثبيته من أجل أخفاء العيوب، وتكون القطعة الفخارية شبه جافه، وفي أثناء العمل يتم غمس يد الخزاف داخل وعاء فيه سائل طيني والغرض منه ترطيب القطعة والمساعدة على التحام القطعتين وبعد ذلك يتم تشذيب الإناء من الزوائد الطينية بآلة حادة، ومن ثم تضاف إليه البطانة.