تعليم الكبار ومحو الأمية الفصل الثاني عشر تعليم الكبار ومحو الأمية

كانت الحياة التي عاشها الإنسان فيما مضى سهلة ولا تحتاج إلى تعليم مهارات القراءة والكتابة بالضرورة إذ كانت مهارات التحدث والمناقشة والاتصال بالأقران وتقليد الصغار لطريقة حياة الكبار كافية لتلبية حاجات الفرد. كانت الأمية بمعنى الجهل بمبادئ القراءة والكتابة ظاهرة لا تنتقص من قيمة الفرد ولا تحده عن تحقيق أهدافه. مع تعقد الحياة وثراء الثقافات أصبح للكتابة تقنياتها وأدواتها، وفي هذا أضحى تعليم القراءة والكتابة وإتقان العمليات الحسابية من المهارات الأساسية للعيش في المجتمع. وبرزت الأمية الأبجدية على أنها مشكلة، وهي العامل المشترك وراء كل مظاهر التخلف.

الحضارة الإسلامية لم تفرق بين تعليم الصغار وتعليم الكبار، فطلب العلم فريضة. في المملكة بدأت الجهود الرسمية في مجال تعليم الكبار منذ عام 1369هـ بقصد محو أمية الكبار أولا ثم بقصد مواصلة تعليمهم في مرحلة لاحقة.

تعليم الكبار أصل في تراثنا الإسلامي : حث الإسلام على العلم، فالفرائض الواجبة على الكبار تستلزم التعليم، وأول ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” إن كلمة اقرأ أمر واضح وصريح، والقراءة والكتابة مفتاح العلم، وهذا دلالة قاطعة على دعوة الإسلام للعلم والتعلم. كما أثنى الله عز وجل على الذين يعلمون ويبحثون عن العلم ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ”

ومن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل العلم قوله [ فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ] إن أول أشارة لمحو الأمية في تاريخ البشرية كانت في الحضارة الإسلامية عندما كلف المصطفى عليه الصلاة والسلام أسرى غزوة بدر ممن يعرفون القراءة والكتابة أن يعلم كل منهم عشرة من أبناء المسلمين.

من خلال ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف فيما يخص محو الأمية وتعليم الكبار أن نخلص إلى : إن أول أشارة لمحو الأمية في تاريخ البشرية كانت في الحضارة الإسلامية. 2. الحضارة الإسلامية لم تتوقف عند حد محو أمية الكبار، بل إن الإسلام أول من بشر بنظرية لتربية تمتد من المهد إلى اللحد. 3. حرص الإسلام على توفير دوافع الكبار في طلب العلم والتعليم ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ” 4. أدراك المسلمون أن الإسلام يفرض عليهم أن يطلبوا العلم طوال حياتهم.

5. لم تقتصر دعوة الإسلام على الاستمرار في طلب العلم بل شملت الدعوة. 6. لم تقتصر الدعوة لتعليم الكبار مدى الحياة، بل أمتد ليشمل التعليم الذاتي. 7. ارتبطت الدعوة في الإسلام في البداية بالكبار، ومن ثم تعليم الكبار ثم امتدت إلى الصغار، وقام المسجد والكتاب دور في تعليمهم. 8. التربية الإسلامية لم تفرق في التعليم، فالتعليم فرض على الجميع مدى الحياة.

الأمية تتحول من ظاهرة إلى مشكلة اجتماعية : كانت الأمية ظاهرة اجتماعية مثل الزواج والطلاق، كما كانت أمرا عاديا في عديد من المجتمعات الزراعية حيث الحياة بسيطة. كما أن الأمية لم تحل الأمي من الزواج، كما لم تمنعه من أن يكون شيخا للقبيلة، أو أن يكون صاحب جاه أو مال أو سلطة. أم اليوم فقد أصبحت الأمية الأبجدية مشكلة بالنسبة للفرد، فهي تحول بينه وبين تحقيق ذاته وأهدافه في الحياة.

أكدت الدراسات ارتباط الأمية بالتخلف من فقر ومرض وسوء تغذية وارتفاع نسبة وفيات الأطفال وانخفاض مستوى العمر المرتقب، والتمسك بعادات وتقاليد وأفكار بالية، هذا على مستوى الفرد. أما على مستوى الدولة ، اضطراب وفوضى وعنف وعدم استقرار سياسي وضعف في الإنتاج داخل حدودها، وخفة وزن وعدم قدرة على التأثير فيى علاقاتها مع الدول الأخرى خارج حدودها. كما أكدت البحوث أن مجتمعا ترتفع فيه نسبة الأمية إلى 70% يصعب أن يحقق تنمية اقتصادية واجتماعية.

الأمية في العالم : تؤكد الدراسات أن الشعور بالأمية ومخاطرها اكتسبت بعدا عالميا غداة الحرب العالمية الثانية، وأصبح محو الأمية يشكل جانبا مهما من العمل الدولي في مضمار التربية. أكدت جميع البحوث ارتباط الأمية بشتى جوانب التخلف. أمام التطور العلمي والتقني في شتى مجالات الحياة أصبح مفهوم الأمية يزداد ثراء واتساعا في معناها وأبعادها، فلم يعد معناها في البلدان المتقدمة عدم القدرة على فك الخط والتعرف على رموز اللغة وقراءة فقرة في صحيفة يومية والتعبير الكتابي عن فكرة تعبيرا صحيحا وإجراء العمليات الحسابية، وإنما أصبح العالم المتقدم يتحدث عن محو الأمية الوظيفي ومحو الأمية الحضاري ومحو أمية الحاسب الآلي وضرورة التعليم المستمر مدى الحياة.

محو الأمية الوظيفي : أن تتكامل عملية محو الأمية مع تدريب متخصص يكون ذا طبيعة فنية. محو الأمية الحضاري : محو الأمية وصولا لاكتساب مهارات التعلم وممارستها في شؤون الحياة الواقعية والاستمتاع بجدواها في مجال العمل والمردود الاقتصادي، وفي تنمية الذات في شتى مجالات الحياة. التعليم المستمر : ذلك النوع من التعليم والتدريب الذي يمتد ليغطي حياة الفرد بكاملها ويستمر باستمرار الحياة ” من المهد إلى اللحد ”

صورة التعليم قبيل قيام المملكة : إن العلم والتعليم لا ينموان ولا يزدهران مع الفقر والفوضى وعدم الاستقرار، فشرط العلم : بيئة مستقرة، وقدرة على الإنفاق، وتشجيع العلماء، وتوفير متطلبات الدراسة والبحث، وهذه كلها كانت مفقودة في شبه الجزيرة قبيل قيام المملكة. قيام المملكة وبدايات التعليم النظامي : اهتمت الدولة منذ بداية العهد السعودي بنشر التعليم ومواجهة الأمية بأساليب مختلفة.

بداية مرحلة الجهود الحكومية : في عام 1369هـ استجابت مديرية المعارف لرغبات الأهالي في تسهيل انتسابهم إلى المدارس الابتدائية، ففتحت لهم أبواب بعض المدارس ليلا لمكافحة الأمية وفق جدول للدراسة المسائية للكبار. وزارة المعارف تؤسس إدارة خاصة بتعليم الكبار ومحو الأمية أطلق عليها ” إدارة الثقافة الشعبية ” كان صدور وثيقة سياسة التعليم في المملكة عام 1390هـ عاملا لاتباع سياسة التخطيط في مجال محو الأمية وتعليم الكبار.

محو الأمية يدخل مرحلة التخطيط ، ففي أعوام 1390هـ ـ 1395هـ تم وضع أول خطة لمحو الأمية أطلق عليها الخطة الخمسية الأولى. تم وضع خطة عشرينية للقضاء على الأمية في مدة أقصاها عشرون عاما، وأهدافها : القضاء على الأمية في المملكة، وبذلك تتحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويتحقق بناء الدول على أسس سليمة. محو الأمية بين جميع المواطنين بمختلف فئاتهم وإعداد المواطن الصالح الذي يسهم في بناء مجتمعه. الوصول بالدارسين إلى مستوى نهاية السنة الرابع الابتدائية مع إتاحة الفرصة لراغبين في مواصلة تعليمهم.

معوقات الخطة العشرينية : ـ صعوبة الانجاز في مجال محو الأمية قياسا بغيره من المجالات التعليمية. ـ أثر المناخ الاقتصادي خلال تنفيذ الخطة تأثيرا سلبيا على جهود محو الأمية، إذ قلل من أهمية محو الأمية كضرورة للرخاء الاقتصادي. ـ ضعف الاتصال المباشر بين المؤسسات العاملة في مجال محو الأمية. ـ تسرب بعض التلاميذ من التعليم الابتدائي دون إتقانهم مهارات القراءة والكتابة. ـ تسرب بعض الدارسين من مراكز محو الأمية بسب مرتفعة خلال السنوات الأولى من الخطة. رغم ذلك فقد حققت الخطة إنجازات أدت إلى هبوط حاد في نسبة الأمية في المملكة ، وبخاصة بين الذكور.

تدريب العاملين في مجال محو الأمية : يختلف تعليم الكبار عن تعليم الصغار في أسسه وفلسفته وفي أهدافه. كما يختلف الكبير عن الصغير في حاجاته ودوافعه، لذا فليس بالضرورة أن يكون المعلم الناجح في التعليم العام ناجحا في تعليم الكبار والتعامل معهم. يجب إعداد معلم الكبار وتدريبه قبل ممارسته العمل.

الجهات المشاركة في محو الأمية وتعليم الكبار : أ. وزارة التربية والتعليم. ب. وكالة الحرس الوطني. ج. وزار العمل والشؤون الاجتماعية. د. وزار الدفاع والطيران.