دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي الفصل الثامن دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي
الفصل الثامن : دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي ( 1 ) وظائف الدولة في الإسلام . ( 2 ) الدولة الإسلامية ومفهوم الحرية الاقتصادية . ( 3 ) حق الدولة في التسعير . أولاً/ وظائف الدولة في الإسلام : للدولة في الإسلام نوعين من الوظائف، منها ما يتعلق بالوظائف العامة، ومنها ما يتعلق بالوظائف الاقتصادية . الإمام الجويني قسم وظائف الدولة الإسلامية العامة إلى قسمين هما: ( 1 ) نظر الإمام في الدين، ويشمل : ما يتعلق في أصل الدين كالعبادات والمعاملات. ( 2 ) النظر في أمور الدنيا : وتشمل الأمن الداخلي والخارجي، والسياسات والعقوبات ورعاية المحتاجين.
الماوردي وأبو يعلي في الأحكام السلطانية حددوا عدة وظائف عامة للإمام وهي : ( 1 ) حفظ الدين . ( 2 ) تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين . ( 3 ) حماية البيضة . ( 4 ) إقامة الحدود . ( 5 ) جهاد من عادى الإسلام . ( 6 ) جباية الفئ . ( 7 ) تقدير العطايا لمن يستحق . ( 8 ) استفتاء الأمناء وتقليد النصحاء . ( 9 ) مباشرة الأمور بنفسه .
الوظائف الاقتصادية حسب الدكتور/محمد صقر ( 1 ) تحقيق تشغيل أمثل للموارد البشرية والمادية في إطار قانوني وضرائبي مناسب وفي هذا الإطار يجب مراعاة عدة أمور وهي: - عدم استنزاف طاقات المجتمع وخاماته وموارده الأولية بمعدل سريع. - مراعاة حقوق الأجيال القادمة . - عدم إرهاق الطاقات البشرية . ( 2 ) توجيه الإنفاق العام لتحقيق المنافع العامة . ويشمل ذلك - عدم إنفاق الأموال لتحقيق منافع شخصية . - الاختيار بين البدائل المتاحة لتحقيق أقصى منفعة اجتماعية . ( 3 ) تحقيق وتطبيق مقاييس للإنتاج ومواصفات للسلع والإعلان التجاري . -فلا يجوز التلاعب بمعايير الجودة . -ويجب عدم خداع المستهلك .
( 4 ) التدخل في السوق وتحديد الأسعار . وهذا يتطلب ما يلي: - أن لا يتم تحديد الأسعار بصورة تعسفية . - أن يتم في الظروف الاستثنائية فقط . - استخدام السياسة المالية والنقدية المناسبة للمحافظة على الأسعار . ( 5 ) محاربة الاحتكار وتشجيع المنافسة بين المنتجين . وإذا كان الاحتكار بالمفهوم الشرعي محرماً،فإن الاحتكار بالمفهوم الاقتصادي ليس ممنوعاًً باستمرار بل هو محبب في بعض الاحيان. ( 6 ) تطبيق سياسة للأجور والتدخل في سوق العمل لضمان تحقيق أجر عادل . - الأصل ترك الأجر في الظروف العادية يتحقق وفق العرض والطلب - أجاز بن تيمية تسعير العمل قياساً على تجويزه تسعير السلع. - يجب أن يكون الأجر مساوياً لأجر المثل أو ما يسمي في الاقتصاد بتكلفة الفرصة البديلة. ( 7 ) تحقيق توزيع عادل للثروة ومراعاة مبدأ تكافؤ الفرص ويتم ذلك عن طريق : - وسائل من صميم النظام – مثل الزكاة والإرث والكفارات . - وسائل تخضع للقرار السياسي وحسب حاجة المجتمع مثل الضرائب والضمان الاجتماعي. ( 8 ) تحقيق الضمان الاجتماعي لأفراد المجتمع . ( 9 ) التخطيط الاقتصادي وتنفيذ برامج التصنيع والتطوير الزراعي . ( 10 ) العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي للأمة الإسلامية .
ثانياً/ الدولة الإسلامية ومفهوم الحرية الاقتصادية - ارتبط مصطلح الحرية بمذهب الطبيعيين الذين تبنوا شعار دعه يعمل، دعه يمر. - يرى أنصار المذهب الحر أو الليبرالي أن النظام الاقتصادي الأفضل أو الأقل سوءً هو الذي يكفل لأطراف النشاط حرية المبادرة الفردية. - تتحقق المصالح بقوى خفية هي قوى الطلب والعرض. لا قوي ظاهرة هي قوة الدولة. - هذه القوى الخفية تضبط الإنتاج والاستهلاك والدخول وتؤدي إلى التوازن الاقتصادي . - المنافسة هي جوهر المذهب الحر.
الحرية الاقتصادية في الإسلام : - الحرية في الإسلام هي الحرية في التعمير لا في التدمير ، وفي النفع لا في الضرر . - الإسلام رسالة حرية، فقد حرر الإسلام الإنسان من عبودية غير الله. - حرر الإسلام الإنسان من الجهل والفقر والجوع . - اعترف الإسلام بحرية الإنسان في التملك والاستهلاك ولكن في حدود الشريعة الإسلامية. - المنافسة في الإسلام محمودة على أن لا تصل إلى حد التحاسد . - الحرية في الإسلام مقيدة بقيود أخلاقية وتشريعية . - قال صلى الله عليه وسلم "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" . - قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له" . الحرية الاقتصادية في الإسلام مكفولة، وليست مقيدة إلا بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة. - الحرية الاقتصادية في الإسلام تكون محددة بالأحكام الشرعية ، و هذا التحديد على نوعين : التحديد الذاتي : و هو تحديد ينبع من أعماق النفس المسلمة و من الإيمان الشديد بالله سبحانه و تعالى. التحديد الموضوعي : و هو نابع من قوة الشرع الإسلامي ، و هو مسؤولية الدولة المسلمة ، ويقوم على أساس القاعدة الشرعية القائلة ( لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة ).فالدولة الإسلامية في حالة وجودها تمنع الأفراد أو الشركات من ممارسة أي نشاط اقتصادي يتعارض مع الشريعة الإسلامية.( لمزيد من التوضيح راجع الفصل الرابع).
ثالثاًً: حق الدولة في التسعير : أجمع الفقهاء على أن للدولة الحق في التدخل في الأسعار في أحوال وأوقات معينة تقتضيها المصلحة العامة . - من حق الدولة مراقبة الأسعار فإذا وجدت تلاعباً فيها أو احتكار للسلع بهدف بيعها بعد ذلك بأسعار عالية مع حاجة الناس لها، جاز للدولة إجبار التجار على البيع بسعر محدد أو بسعر المثل. - موقف الإسلام من التسعير لا يتناقض مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يفيد ظاهرة عدم جواز التسعير . - الأسعار غلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سعر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى هو القابض الباسط والرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة في نفس ولا مال ".
مسوغات(أسباب) امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم عن التسعير أن امتناعه صلى الله عليه وسلم عن التسعير قد يكون لترسيخ مبدأ الحرية في الأسواق وعدم الاعتداء عليها . - حتى لا يعطي للحكومات الحق في التدخل في الأسعار بسبب وبغير سبب، أي لا يطلق يد الحكومة في التدخل في تحديد الأسعار. - الحديث الشريف لا يفيد بأن ارتفاع الأسعار كان بسبب احتكار التجار، بل قد يكون الارتفاع ناجم عن زيادة التكلفة الحقيقية للسلعة وفي هذه الحالة يكون التدخل في الأسعار ظلماً للتجار. - إطلاق يد الدولة في التسعير قد يسبب غلاء حقيقي للأسعار، حيث يمتنع المنتجون والتجار عن عرض سلعهم في الأسواق العامة ويحتكرونها ليجبروا المشتري على شراءها بالسعر الذي يريدون . - قال ابن قدامة : " التسعير سبب الغلاء، لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلداً يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعة يمتنع عن بيعها ويكتمها ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها، فيرفعون من ثمنها فتغلو الأسعار.
الحالات التي يجوز معها التسعير : اتفق الفقهاء على وجود حالات يجوز معها التسعير وهي : 1- حالة الأزمات والمجاعات والحروب والاضطرار إلى طعام الغير. 2- حالة الاحتكار . 3- حالة الحصر (حصر الواحد أو حصر القلة) . 4- حالة التواطؤ بين البائعين أو حالة التواطؤ بين المشترين . 5- أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة .
يلاحظ أن جميع الحالات السابقة تشترك في معنى عام هو حالة الاحتكار من قبل البائعين بهدف زيادة السعر عن ثمن المثل. - ويلاحظ أن الفلسفة العامة للتسعير تهدف إلى عدم ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتجار الجشعين الذين لا يرقبون في المسلمين إلا ولا ذمة . - يقول ابن القيم "أما التسعير فمنه ما هو ظلم محرم، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس فهو جائز بل واجب" .