محاضرات في شرح قانون العمل الفلسطيني
أسباب استقلال عقد العمل يعتبر قانون العمل من القوانين حديثة النشأة، إذ استقل عن القانون المدني في أعقاب الثورة الصناعية والتحولات الاقتصادية الكبيرة التي شهدها العالم في القرن التاسع عشر وما أدى إليه التوسع في استخدام الآلة في الصناعة وظهور الاحتكارات الضخمة وازدياد ثراء أصحاب الأعمال مما أدى إلى انهيار التوازن بينهم وبين الطبقة العاملة
والخروج عن مبدأ سلطان الإرادة الأمر الذي أصبح يخشى على العمال من سطوة أصحاب العمل واستغلال ضعفهم وحاجتهم للأجر مما أدى إلى تدخل المشرع وإصدار قانون خاص بالعمل والعمال يختلف عن القواعد المعمول بها في القانون المدني ولا سيما ما يتعلق بمبدأ سلطان الإرادة، ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين
الموازنة بين مصالح طرفي العقد وحيث إن عقد العمل يكون بين طرفين أحدهما في مركز قوة وهو صاحب العمل والآخر هو الطرف الضعيف لحاجته إلى العمل، ومن ثم قد يذعن الطرف الضعيف وهو العامل لشروط صاحب العمل تحت مظلة المبدأ الشهير وهو: "العقد شريعة المتعاقدين"، وبالتالي فإن هناك تعارضاً كبيراً بين مصلحة طرفيه، لما يوجد من تمايز في طبيعة وحجم مركز كل منهما على الآخر
عدم أكل أموال الناس بالباطل وبالتالي يعم الظلم وأكل أموال الناس بالباطل التي نهى الله سبحانه عنها في قوله: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"، لذلك كان لزاماً على المشرع أن يتدخل ليعمل على إعادة التوازن في العلاقات العمالية، يضمن فيها للعامل العيش بكرامة
نشأة قانون العمل في فلسطين 1- زمن الدولة العثمانية في فلسطين مر تنظيم أحكام قواعد العمل بتطورات مهمة لتأثرها بالظروف السياسية التي خضعت لها فلسطين ففي ظل الخلافة الاسلامية زمن الدولة العثمانية كانت مجلة الأحكام العدلية بمنزلة المرجع العام للمعاملات المالية بشكل عام وقد تضمنت المجلة التي تم إصدارها عام 1868م بعض المواد التي تنظم عقد العمل الفردي في المواد 562 – 581.
2- زمن الانتداب البريطاني أما زمن الانتداب البريطاني فقد صدرت بعض القوانين التي تعالج علاقات العمل منها قانون تعويض العمال الذي صدر بتاريخ 16/12/1927م حيث كان يقضي القانون بتعويض العمال عما يصيبهم من ضرر، وعدل هذا القانون عدة مرات كان آخرها القانون رقم 33 لسنة 1947م وكان هذا التعديل يهدف إلى توحيد وتعديل التشاريع المتعلقة بدفع تعويض للعمال عما يلححقهم من الأضرار في سياق استخدامهم
قانون نقابات العمال ثم صدر قانون نقابات العمال رقم 56 لسنة 1947م الذي حل محل قانون قانون الجمعيات وقانون الاضراب الذين صدرا زمن الدولة العثمانية وتم إصدارهما سنة 1909م.
الاحتلال الصهيوني وبعد انتهاء الانتداب واحتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية بمساعدة دولة الانتدات والدول الأجنبية وبعض العرب خضعت المناطق التي لم يتم احتلالها إلى الإدارات العربية، حيث خضعت الضفة الغربية والقدس الشريف لإدارة المملكة الأردنية الهاشمية، وخضع قطاع غزة للإدارة المصرية، والتي استمرت حتى احتلال فلسطين بالكامل من قبل العصابات الصهيونية عام 1967م
زمن الإدارة المصرية في قطاع غزة وفي بداية الأمر أبقت الإدارة المصرية على القوانين التي كانت سارية زمن الانتداب البريطاني ثم أصدرت الإدارة المصرية الأمر الإداري رقم 331 لسنة 1954 بشأن نقابات العمال في المنطقة الواقعة تحت رقابة القوات المصرية بفلسطين، ثم صدر الأمر رقم (559) لسنة 1957 بشأن إنشاء (الإدارة العمالية) كإدارة تابعة لإدارة الشؤون الإجتماعية واللاجئين
اختصاص الادارة العمالية تختص هذه الإدارة بتنفيذ جميع القوانين والأنظمة واللوائح والأوامر الخاصة بتشغيل الموظفين والعمال والمنظمة لعلاقاتهم بأصحاب الأعمال
إصدار قانون العمل ثم أصدرت الإدارة المصرية قانون العمل رقم 16 لسنة 1964م، وأعقبه صدور العديد من القرارات التي تنظم العمل
الإدارة الاردنية في الضفة الغربية والقدس مؤتمر أريحا وفي الضفة الغربية وعشية الاحتلال الصهيوني لأجزاء كبيرة من فلسطين عُقد مؤتمر في أريحا عام 1949م تمخض عنه وحدة الضفتين الشرقية والغربية تحت لواء المملكة الأردنية الهاشمية
آثار الوحدة وهذا تطلب وحدة الأنظمة القانونية في الضفتين وأصدرت الإدارة الأردنية في هذه الحقبة العديد من التشريعات المتعلقة بالعمل منها قانون نقابات العمال الأردني رقم 35 لسنة 1953م والذي حل محل قانون الجمعيات التعاونية وقانون الإضراب العثمانيين الصادرين عام 1909م، تلى ذلك صدور قانون تعويض العمال رقم 17 لسنة 1955 والذي استمد معظم أحكامه من قانون تعويض العمال الصادر إبان الانتداب البريطاني
إصدار قانون العمل ومع حلول العام 1960م صدر قانون العمال الأدرني رقم 21 لسنة 1960م والذي ألغى قانون تعويض العمال الفلسطيني رقم 33 لسنة 1947م، وقانون نقابات العمال رقم 35 لسنة 1953 وقانون تعويض العمال رقم 17 لسنة 1955م
تعديلات قانون العمل الاردني وقد أجرى المشرع الأردني العديد من التعديلات على قانون العمل من ذلك القانون رقم 36 لسنة 1980 الذي اعتبر أجور العامل ومستحقاته ديوناً ممتازة من الدرجة الأولى، والقانون رقم 29 لسنة 1986م والذي ألزم أرباب العمل بتسهيل مهمة مفتش العمل تلا ذلك صدور القانون رقم 27 لسنة 1988 بخصوص رسوم تصاريح العمل بالنسبة للعمال الأجانب، ثم صدر قانون العمل الأردني رقم 6 لسنة 1996م ليحل محل قانون العمل رقم 21 لسنة 1960م
زمن السلطة الفلسطينية وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية تولت السلطة الفلسطينية مهمة إصدار تشريعات فلسطينية خالصة، وبالفعل أصدر السلطة الفلسطينية العديد من التشريعات وحلت محل التشريعات التي كانت تقطع أوصال الوطن، ومن ضمن هذه القوانين قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م
أثر صدور قانون العمل الفلسطيني والذي ألغى العمل بقانون العمل رقم 21 لسنة 1960 المعمول به في محافظات الضفة وتعديلاته، وقانون العمل رقم 16 لسنة 1964 المعمول به في محافظات غزة وتعديلاته وكل ما يخالف أحكام هذا القانون
تاريخ صدور القانون والعمل به وقد صدر هذا القانون بتاريخ 30/4/2000م، ونص في مادته الأخيرة على أن يعمل بأحكام هذا القانون بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وقد نُشر هذا القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 25/11/2001م، ومن فإن نفاذه يبدأ من تاريخ 25/12/2001م
أحكام القانون وقد جاءت أحكام قانون العمل الفلسطيني لتنظيم الجوانب الأساسية المتعلقة بعلاقات العمل سواء العلاقات الفردية أم الجماعية وكفل المشرع ضمان تطبيق هذه الأحكام بوسائل متعددة أبرزها فرض عقوبات جنائية وإدارية في حال مخالفة أحكامه
أهداف قانون العمل ويكتسب قانون العمل أهمية كبيرة بالنسبة لشريحة واسعة في المجتمع، إذ يهدف هذا القانون إلى تنظيم علاقات العمال بأرباب العمل، وبالتالي فهو يتصل بتحديد أوضاع ومستوى معيشة عدد كبير من الأشخاص والأسر، ومن ثم المجتمع بأسره، وهذا ما جعله يحظى بأهمية كبيرة في تدعيم أمن المجتمع واستقراره
أهمية قانون العمل إضافة إلى ذلك يمثل قانون العمل أهمية كبيرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي:
المستوى الاجتماعي فعلى المستوى الاجتماعي: فإن قانون العمل يخاطب طبقة عريضة من الشعب تتمثل في الطبقة العمالية، فقد ارتبطت نشأة هذا القانون ارتباطاً أساسياً بالاعتبارات الانسانية المتمثلة في تحسين أحوال العمال وتحسين ظروف معيشتهم، وهو بذلك يلعب دوراً بارزاً في حياتهم، ويكفل لهم حياة كريمة
أثر قانون العمل على العمال وأسرهم كما تنعكس قواعد قانون العمل على حياة العمال اليومية والفردية والعائلية من خلال تحديد ساعات العمل والاجازات الاسبوعية والسنوية والمرضية، ونظام الأجور والتأمينات الاجتماعية التي فرضها المشرع على أرباب العمل للتأمين للعمال وذويهم في حالة الاصابة والوفاة والمرض
الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي كما تبدو أهمية قانون العمل بالنسبة للأمن والسلم الاجتماعيين حيث تنظم قواعد قانون العمل العلاقة بين العمال وأرباب العمل، وحيث إن تبعية العامل لصاحب العمل قد تؤدي إلى التوتر والصراع بينهما مما يستوجب وضع قواعد لإقامة التوازن بين الطرفين وتوفير الحماية اللازمة للعامل لكي لا يشعر أنه عبد مملوك عند صاحب العمل، وإقامة هذا النوع من التوازن من شأنه أن يحقق التعاون والتوفيق بين العمال وأرباب العمل، ومن ثم القضاء على أسباب التوتر في العلاقات العمالية
الناحية الاقتصادية أما من الناحية الاقتصادية فلقانون العمل تأثير قوي مباشر على الاقتصاد، بل لعل التفاعل المتبادل بين قواعد قانون العمل والنشاط الاقتصادي تجعل منه أفضل الوسائل المستخدمة لتحقيق السياسة الاقتصادية المنشودة
رفع مستوى المعيشة إضافة إلى ذلك فإن الطبقة العمالية تشكل الشريحة الكبرى من المستهلكين، ويؤدي قانون العمل إلى رفع مستوى المعيشة لدى العمال من خلال توفير أكبر قدر من الضمانات والحقوق ولاسيما فيما يتعلق بالأجر حيث يؤدي رفعها إلى زيادة القوة الشرائية، ومن ثم زيادة الاستهلاك، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الانتاج، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتوفير فرص عمل جديدة والقضاء على البطالة
زيادة الانتاج كما أن الضمانات التي يقررها المشرع للعمال من حيث الأجور وساعات العمل والاجازات والخدمات الأخرى تشكل أعباءً مالية على المنشأة وتؤدي إلى زيادة تكلفة الانتاج ليتفادى صاحب العمل الخسارة نتيجة هذه الأعباء